Hot Posts

6/recent/ticker-posts

ماسينيسا ودوره المحوري في تشكيل التاريخ القديم لشمال أفريقيا


 

ماسينيسا ودوره المحوري في تشكيل التاريخ القديم لشمال أفريقيا



المقدمة: ماسينيسا: مهندس الدولة في شمال أفريقيا القديم



يُعد ماسينيسا، ملك قبيلة الماسيل الأمازيغية (حوالي 238 ق.م – 148 ق.م)
1، شخصية محورية لا يمكن فهم تاريخ شمال أفريقيا القديم وتطور العلاقات بين روما وقرطاجة دون تحليل دوره. حكم ماسينيسا لحوالي ستة عقود، وكان له الفضل في تأسيس الدولة النوميدية الموحدة في عام 202 ق.م 3، وهو الكيان الذي تحول بفضل سياسته العسكرية والحضارية من مجموعة كيانات قبلية متنافسة إلى قوة إقليمية عظمى على قدم المساواة مع روما وقرطاج في حوض البحر الأبيض المتوسط.4

يهدف هذا التحليل إلى تقديم قراءة مفصلة وشاملة لمسيرة ماسينيسا، مع التركيز على البراغماتية السياسية التي ميزت حكمه. يجب الأخذ بعين الاعتبار أن المصادر الرئيسية حول هذه الفترة، مثل أعمال المؤرخين اليونانيين واللاتينيين (بوليبيوس وتيتوس ليفيوس) 4، غالباً ما تقدم "نظرة أحادية الجانب" 4 تخدم السرد الروماني وتصور ماسينيسا في إطار الحليف المطيع. لذلك، يجب دمج المعطيات النصية مع الأدلة المادية والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي قام بها لتقييم مدى استقلالية قراره وعمق مشروعه الحضاري الذي كان يهدف في المقام الأول إلى إرساء دعائم دولة نوميدية قادرة على مواجهة التحديات الخارجية.6


القسم الأول: الخلفية التاريخية - نوميديا في فلك القوى العظمى



1.1. التقسيم الجيوسياسي لنوميديا قبل ماسينيسا



شهدت منطقة نوميديا قبل صعود ماسينيسا تقسيماً سياسياً أتاح للقوى الخارجية اختراقها. كانت المنطقة مقسمة إلى كيانين سياسيين رئيسيين نشآ في النصف الثاني من القرن الثالث قبل الميلاد
7:

  1. مملكة الماسيل (نوميديا الشرقية): وهي الموطن الأصلي لقبيلة ماسينيسا، ابن الملك غايا.2 كانت هذه المملكة تمتد شرقاً حتى حدود قرطاجنة.9

  2. مملكة المازيسيل (نوميديا الغربية): كانت تحت حكم الملك سيفاقس (Syphax) وعاصمتها سيغا.9 نهر شليف كان يشكل الحد الفاصل بين المملكتين.9

كان هذا الانقسام المزدوج يمثل ضعفاً استراتيجياً، حيث كانت الممالك تعيش حالة من الصراع الداخلي المستمر، الأمر الذي مكن القوى العظمى من توظيف التحالفات المتغيرة واستخدام القوى المحلية لخدمة مصالحها.7 كانت القبائل النوميدية تعيش حياة التنقل وعدم الاستقرار، لكن نشأة هذه الكيانات السياسية كانت مؤشراً على بداية التحول نحو الاستقرار والبحث عن السيطرة المحلية.7


1.2. السياق الجيوسياسي (روما وقرطاجة ونوميديا)


قبل الحروب البونيقية، كانت قرطاجة هي القوة المهيمنة على غرب البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا، وكانت تعتمد بشكل كبير على القبائل النوميدية كمصدر أساسي للقوة العسكرية، خاصة سلاح الفرسان الخفيف.11 كانت خيالة نوميديا توصف بأنها "أفضل الفرسان في إفريقيا إلى حد بعيد" 11، مما جعل نوميديا جائزة استراتيجية حيوية في الصراع العالمي بين روما وقرطاجة.

استغلت الممالك المحلية الصراع الروماني القرطاجي، خاصة في الحرب البونيقية الثانية (218 ق.م – 201 ق.م) 1، كفرصة لتعزيز مصالحها وتحقيق طموحاتها في التوسع. كان التنافس بين الماسيل والمازيسيل يوفر لروما وقرطاجة فرصة مستمرة لتوظيف هذه الكتل العسكرية الضخمة.


1.3. التحالفات المتقلبة ودبلوماسية سيفاقس


كانت التحالفات قبل صعود ماسينيسا تتسم بالتقلب الشديد. بدأ ماسينيسا مسيرته حليفاً لقرطاجة وقاد قواتها في إسبانيا.1 في المقابل، سعى الملك سيفاقس في الغرب لتوحيد النوميديتين 10، وحقق ذلك بالفعل لفترة وجيزة عام 205 ق.م. أظهر سيفاقس وعياً مبكراً بخطورة الصراع الخارجي عليه، فحاول التوسط دبلوماسياً بين روما وقرطاجة عبر تنظيم "مؤتمر سيقا" سنة 206 ق.م، وذلك لتفادي نقل الحرب من إسبانيا إلى شمال أفريقيا.10

إن فشل هذه المبادرة الدبلوماسية، التي كانت تدل على إدراك النوميديين لحجم الكارثة المحتملة، مهد الطريق لاستمرار الحرب في أفريقيا وتغيير التحالفات. تحول ماسينيسا إلى الجانب الروماني بعد أن فقد عرشه لصالح سيفاقس، الذي تحالف بدوره مع قرطاجة وتزوج من الأميرة صوفونيسبا لضمان هذا التحالف.9 هذا التحول الاستراتيجي لماسينيسا كان نتاجاً خالصاً لضرورات الصراع الداخلي على العرش والنفوذ.6


القسم الثاني: الصعود إلى السلطة وتأسيس المملكة الموحدة (206 – 202 ق.م)



2.1. التحول الاستراتيجي والتحالف مع سكيبيو


بعد وفاة والده غايا، واجه ماسينيسا تحديات داخلية قاسية، انتهت باستيلاء سيفاقس على ممتلكات أسلافه، مما دفع ماسينيسا إلى المنفى والصراع.6 أدرك ماسينيسا، خلال تواجده في إسبانيا، أن روما تحت قيادة سكيبيو الإفريقي هي القوة الصاعدة التي يجب التحالف معها لخدمة مصالحه الخاصة في استعادة العرش وإنجاز التوحيد.6 كان هذا التحالف صفقة بقاء، حيث ضمنت روما له استعادة ملكه، بينما ضمنت لنفسها حليفاً محلياً قوياً ضد قرطاجة.

عندما قرر سكيبيو نقل الحرب إلى أفريقيا، كان ماسينيسا هو العنصر المحفز. فقد اتصل بنائب سكيبيو، ليليوس، وحثه على تعجيل الحملة 8، مشيراً إلى انشغال سيفاقس بإخماد التمردات الداخلية، مما يبرهن على استعجاله لترسيخ حكمه.


2.2. حملة التوحيد والانتصار على سيفاقس



بعد وصوله إلى شمال أفريقيا، بدأ ماسينيسا حملته التوحيدية، حيث جمع حوالي 500 فارس من الموالين لوالده غايا.
8 سرعان ما بدأ بالاشتباك مع قوات سيفاقس المازيسيلية 8، مما جذب إليه المزيد من القبائل الموالية. بالتعاون المباشر مع القوات الرومانية التي أبحرت من صقلية 8، تمكن ماسينيسا من حسم الصراع ضد سيفاقس. أسفرت الحملة عن تدمير الجيش المازيسيلي وأسر سيفاقس، مما مكن ماسينيسا من توحيد نوميديا الشرقية والغربية.10 يُعتبر هذا التوحيد، الذي تم في عام 203 ق.م، هو لحظة ميلاد المملكة النوميدية الموحدة.3


2.3. مأساة صوفونيسبا وحدود السلطة


تُجسد قصة صوفونيسبا، التي كانت ابنة صدربعل القرطاجي وزوجة سيفاقس 12، اختباراً مبكراً لحدود سيادة ماسينيسا أمام حليفه الروماني. بعد انتصاره على سيفاقس، سارع ماسينيسا بالزواج من صوفونيسبا، لكن سكيبيو الإفريقي رأى في هذا الزواج تهديداً، خشية أن تؤثر الملكة القرطاجية على ولاء ماسينيسا لروما.

طالب سكيبيو بتسليمها كجائزة حرب. كان هذا الطلب بمثابة إعلان سياسي بأن القيادة الرومانية لديها الكلمة الأخيرة في تحديد مصائر الأشخاص في نوميديا. فضل ماسينيسا الحفاظ على كرامة الملكة على إذلالها في الأسر الروماني، فأرسل لها جرعة سم لتنتحر.12 كان هذا الفعل بمثابة تمرد رمزي للحفاظ على كرامة الدولة الحديثة، لكنه أظهر في الوقت ذاته أن التحالف مع روما كان يعني الخضوع للسلطة الرومانية النهائية.


القسم الثالث: الإنجازات العسكرية والسياسية - حسم مصير المتوسط (202 – 149 ق.م)



3.1. الحسم العسكري في معركة زاما


كان الدور العسكري لماسينيسا في الحرب البونيقية الثانية حاسماً، خاصة في معركة زاما عام 202 ق.م.7 كانت خيالة نوميديا الخفيفة، التي وصفت بأنها الأفضل في أفريقيا 11، هي الورقة الرابحة في يد سكيبيو. بفضل تحول ماسينيسا، فقد حنبعل الميزة التقليدية التي كان يعتمد عليها. شكلت الخيالة النوميدية بقيادة ماسينيسا الجناح الحاسم الذي مكن سكيبيو من تدمير القوات القرطاجية وهزيمة حنبعل، مما أدى إلى توقيع معاهدة سلام مهينة لقرطاجة.14

أدى الانتصار في زاما إلى تتويج ماسينيسا ملكًا على نوميديا الموحدة تحت الإشراف الروماني، وكانت هذه المعركة بمثابة نقطة تحول رسمت معالم العصر الروماني اللاحق.7


3.2. استراتيجية "التهام" قرطاجة والتوسع الإقليمي


بعد معاهدة 201 ق.م، التي قيّدت قرطاجة ومنعتها من شن الحروب الدفاعية أو الهجومية دون إذن روما 15، اتبع ماسينيسا سياسة توسعية عدوانية وممنهجة على حساب جيرانه. كان بارعاً في استغلال المعاهدة الرومانية، حيث ضمن لنفسه حماية روما بينما كان "يلتهم" الأراضي القرطاجية بشكل تدريجي.

شملت هذه التوسعات مناطق حيوية 15:

  • في عام 172 ق.م، سيطر على خليج سرت (تريبوليتانيا) وفرض الضرائب على المنطقة بدلاً من قرطاجة.

  • في حوالي 153 ق.م، سيطر على السهول الكبرى (فاجا وتوسكا) في الغرب.

كانت هذه السياسة التوسعية تهدف إلى تقوية مملكته 16 وجعلها قوة إقليمية لا تُضاهى، بينما كانت تستنزف قرطاجة بشكل مستمر حتى وصلت إلى نقطة الانهيار.


3.3. ماسينيسا والحرب البونيقية الثالثة


وصل النزاع بين نوميديا وقرطاجة إلى ذروته في معركة أوروسكوبا الكبرى في أواخر عام 151 ق.م، حيث دمرت قوات ماسينيسا الجيش القرطاجي بالكامل.15 هذا الهجوم العسكري من قبل ماسينيسا أجبر القرطاجيين على خرق معاهدة السلام والدفاع عن أنفسهم.

في هذه المرحلة، أدت قوة ماسينيسا المتصاعدة إلى قلق بالغ في روما. بدأ الرومان يخشون تحول نوميديا إلى قوة إقليمية منافسة 15، وكان هناك خوف من أن يستولي ماسينيسا على قرطاجة ويوحد شمال أفريقيا بالكامل تحت حكمه. ولتجنب ظهور عدو جديد وقوي في المنطقة، قررت روما القضاء على قرطاجة نهائياً قبل أن تتغير الظروف الإقليمية لصالح ماسينيسا.15 وبذلك، كان نجاح ماسينيسا وطموحه السياسي هو المحرك الأساسي (بشكل غير مباشر) لإشعال فتيل الحرب البونيقية الثالثة التي انتهت بتدمير قرطاجة عام 146 ق.م.17


القسم الرابع: الإصلاحات الإدارية والاجتماعية - بناء دولة الفلاحين (190 – 148 ق.م)


لم تكن عبقرية ماسينيسا مقتصرة على الجانب العسكري؛ بل كان مصلحاً رائداً عمل على تحويل المجتمع النوميدي من نمط الحياة الرعوية والقبلية إلى دولة مركزية مستقرة ومنتجة، مما مكن مملكته من أن تشهد "أطول فترة استقرار سياسي".6


4.1. الإصلاح الزراعي وتوطين البدو


أدرك ماسينيسا أن القوة العسكرية المستدامة تتطلب قاعدة اقتصادية ثابتة. لذلك، عمل على توطين البدو الرحل 4 وحث شعبه على الاستقرار.18 كانت هذه السياسة ترمي إلى "تمدين المجتمع النوميدي" 6 وبعث الزراعة وتطويرها.6

تشير الأدلة الأثرية إلى وجود نظام متطور للزراعة والسقي الزراعي، ونموذجها آثار تاسبنت.18 إن نجاح ماسينيسا في تنظيم الفلاحة وتأسيس دولة فلاحين مستقرة أدى إلى إنشاء قاعدة ضريبية وموارد بشرية ثابتة، بعكس الاعتماد على المرتزقة غير الموثوق بهم، مما أسس لنظام دولة فعّال.4


4.2. التنظيم الاقتصادي والعملة الوطنية


لتعزيز الاقتصاد، قام ماسينيسا بتنشيط الحركة التجارية الداخلية والخارجية.6 كانت إحدى الإنجازات الرئيسية هي استمراره في إصدار عملة وطنية وصكوك.18 كانت العملات النوميدية تُصَكّ باسم المدن 19، وكانت تداولها يتجاوز الحدود النوميدية في المبادلات التجارية، دلالة على ازدهار العملات وقوتها.19

من الناحية الثقافية، كانت الكتابة على القطع النقدية بونيقية، مما يعكس الأهمية الاقتصادية والثقافية للغة البونيقية (لغة قرطاجة) كلغة للتجارة في ذلك الوقت.19 يدل هذا على أن ماسينيسا كان يدمج الأدوات الحضارية المتقدمة في إدارته لتعزيز سيادة الدولة.


4.3. التمدن والنهضة الثقافية في سيرتا


اتبع ماسينيسا سياسة تمدن على النمط الهيليني والروماني 20، مركّزاً على عاصمته سيرتا (قسنطينة حالياً). ظهرت حياة حضرية نوميدية حقيقية في عهده.18

تضمنت إنجازاته الثقافية أمر بناء "المكتبة الكبرى" في سيرتا، والتي كان يهدف لأن تكون أكبر مكتبة في شمال أفريقيا.21 لقد كان يرى أن القوة لا يجب أن تقتصر على الحرب فحسب، بل يجب أن تشمل "العلم والمعرفة".21 كما شجع الآداب والفنون، وأرسل أبناءه إلى بلاد الإغريق للتعلم، واستقدم كتاباً وفنانين أجانب إلى بلاطه.18


4.4. النظام الإداري والاجتماعي المتوازن


تميز عهد ماسينيسا باستقرار اجتماعي فريد، فلم تُسجل أي ثورات شعبية.4 هذا الاستقرار يعود لنهجه المتوازن في الحكم، حيث كان يحترم شعبه ولم يفرض سياسات ضريبية صارمة.4

اعتمد النظام الإداري على دمج التنظيمات المحلية القبلية (مثل نظام الجمهوريات القروية التي يديرها الشيوخ) 22 مع النماذج التنظيمية الأجنبية، لا سيما التنظيم البلدي البونيقي.22 سمح هذا الدمج الثقافي والإداري ببناء هيكل مركزي قوي دون إحداث قطيعة كاملة مع المؤسسات القبلية القديمة.


القسم الخامس: الإرث والتأثير - نهاية عصر ووعد مستقبلي



5.1. المؤسس الأب للدولة الأمازيغية


يُجمع الباحثون على أن فترة ماسينيسا تمثل "أهم مرحلة" في تاريخ نوميديا.4 لقد حقق حلمه في توحيد نوميديا وجعلها قوة 4، وبفضله تحولت نوميديا إلى كيان سياسي وحضاري قوي استمر لنحو 60 عاماً.6 لقد كان ماسينيسا بمثابة الأب المؤسس لمفهوم الدولة الأمازيغية الموحدة في المنطقة.


5.2. المفارقة الجيوسياسية: تدمير قرطاجة كعقاب على النجاح


المفارقة الكبرى في إرث ماسينيسا هي أن نجاحه الباهر في بناء الدولة وتوسعه الإقليمي، رغم أنه أدى إلى تدمير قرطاجة (العدو القديم لروما)، إلا أنه أدى في النهاية إلى رد فعل عنيف من روما ضده. لقد أدركت روما أن القوة التي بناها ماسينيسا ستتحول حتماً إلى منافس جديد لها في المنطقة.15 كان هذا الإدراك هو الذي سرّع من قرار تدمير قرطاجة أولاً، لضمان ألا تقع أراضيها بين يدي ماسينيسا ويزداد قوة.


5.3. روما وتفكيك الإرث: سياسة التقسيم


عند وفاة ماسينيسا عام 148 ق.م، سارعت روما إلى تفكيك إرثه الموحد. أدرك الرومان طموحه لتوسيع مملكته وتقوية نفوذه.16 لذلك، قرر مجلس الشيوخ الروماني تقسيم عرش ماسينيسا بين أبنائه الثلاثة: ماسيبسا (السلطة الإدارية)، وغلوسا، وماستان بعل.16

كان الهدف الاستراتيجي لهذا التقسيم هو منع استمرار المركزية والقوة التي بناها ماسينيسا، وضمان بقاء نوميديا ضعيفة ومشتتة داخليًا يسهل على روما السيطرة عليها ومراقبتها.16


5.4. استمرارية روح المقاومة والإرث الثقافي


على الرغم من التقسيم الروماني، فإن سلالة الماسيل استمرت في الحكم. الإرث العسكري والسياسي الذي تركه ماسينيسا شكل الأساس الذي اعتمد عليه أحفاده لاحقاً، وأبرزهم يوغرطة، الذي شن حرباً ضروساً ضد روما في محاولة يائسة لإعادة توحيد واستقلال نوميديا.13

كما أن الإرث الحضاري الذي أسسه ماسينيسا، من خلال تمدين العاصمة سيرتا 20 وتأسيس المكتبة الكبرى 21، عزز الهوية الأمازيغية الوطنية. هذه الذاكرة التاريخية للقوة والوحدة استمرت كدافع لحركات المقاومة ضد الحكم الروماني المباشر، مثل ثورة تاكفاريناس في القرن الأول الميلادي.23


الخاتمة: تقييم نهائي


يحتل ماسينيسا مكانة لا تُنسى كأحد أعظم ملوك شمال أفريقيا القديم. يمكن تلخيص دوره وتأثيره في النقاط النهائية التالية:

  • المؤسس البراغماتي: أظهر ماسينيسا قدرة فائقة على الموازنة بين مصلحته الشخصية في استعادة العرش ومشروعه الوطني الأكبر في توحيد نوميديا. كان تحالفه مع روما خطوة براغماتية حتمتها الضرورة الجيوسياسية لتفكيك قوة سيفاقس وقرطاجة، ولم يكن ولاءً أعمى، حيث كان ولاؤه المطلق هو لنوميديا.4

  • مهندس التحول الحضاري: نقل ماسينيسا مملكته من مرحلة الرعوية إلى المدنية الزراعية والاقتصاد المستقر 6، مؤسساً قاعدة اقتصادية قادرة على دعم دولة قوية، وهو التحول الذي لا يقل أهمية عن انتصاراته العسكرية.

  • الخطر المزدوج: كانت قوة ماسينيسا المتصاعدة هي التي كشفت لروما ضعفها الأمني في أفريقيا بعد زاما، مما أدى إلى قرار روما بتدمير قرطاجة نهائياً، وفي الوقت ذاته، اتخاذ الإجراءات الوقائية لتقسيم نوميديا بعد وفاته لمنع ظهور قوة منافسة أخرى.15

لقد شكل ماسينيسا النواة الأولى للدولة في شمال أفريقيا، واستمر إرثه السياسي والحضاري كمرجع للقومية والمقاومة الأمازيغية، حتى بعد ضم روما للمملكة بالكامل بعد هزيمة يوبا الأول عام 46 ق.م.13 تتطلب دراسة هذا العصر مراجعة نقدية للمصادر الكلاسيكية، وتكثيف البحث الأركيولوجي، لتقديم صورة أكثر توازناً تعكس العبقرية السياسية والحضارية لهذا القائد العظيم.

المصادر التي تم الاقتباس منها

  1. الحرب البونيقية الثانية - ويكيبيديا, ، https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%88%D9%86%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9

  2. Masinissa - Wikipedia, ، https://en.wikipedia.org/wiki/Masinissa

  3. نوميديا - ويكيبيديا, ، https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A7

  4. ماسينيسا الرجل الذي جعل من نوميديا قوة في شمال إفريقيا - الرائد, https://elraed.dz/54117-%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%B3%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AC%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A-%D8%AC%D8%B9%D9%84-%D9%85%D9%86-%D9%86%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A7-%D9%82%D9%88%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A5%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7

  5. ماسينيسا أو بدايات التاريخ.pdf - Asadlis Amazigh, https://www.asadlis-amazigh.com/ar/wp-content/uploads/livres/%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%B3%D8%A7%20%D8%A3%D9%88%20%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA%20%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE.pdf

  6. ماسينيسا و دوره في بناء دعائم التطور الحضاري للمجتمع النوميدي, https://archives.univ-eloued.dz/items/217c14d2-769f-4657-8b90-bbc06dddc7f1

  7. الصراع النوميدي النوميدي وأثره في الحرب البونية الثانية (322 ق.م- 323 ق.م) | مجلة جامعة الزيتونة, ، https://www.azzujournal.com/index.php/azujournal/article/view/51

  8. ماسينيسا و دوره في بناء دعائم التطور الحضاري للمجتمع النوميدي - ASJP, ، https://asjp.cerist.dz/en/downArticle/482/6/2/203270

  9. سيفاقس | PDF - Scribd, ، https://www.scribd.com/doc/9911831/%D8%B3%D9%8A%D9%81%D8%A7%D9%82%D8%B3

  10. مؤتمر سيقا الدولي في “206 ق.م” الذي نظمه الملك الأمازيغي “سيفاكس” يمثل بداية الدبلوماسية, ، https://amadalamazigh.press.ma/%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1-%D8%B3%D9%8A%D9%82%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A-%D9%81%D9%8A-206-%D9%82-%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A-%D9%86%D8%B8%D9%85%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%85/

  11. الخيالة النوميد - ويكيبيديا, تم الوصول بتاريخ ‎نوفمبر 4, 2025، https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%8A%D8%A7%D9%84%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%AF

  12. Sophonisbe | صفنبعل ، صوفونيسبا | الملكة النوميدية التي اختارت قرطاج - YouTube, تم الوصول بتاريخ ‎نوفمبر 4, 2025، https://www.youtube.com/watch?v=L4uVp3MfOSM

  13. تغيرات الخريطة السياسية لمملكة نوميديا من القرن 3 ق. م - 46 ق.م | ASJP, تم الوصول بتاريخ ‎نوفمبر 4, 2025، https://asjp.cerist.dz/en/article/273991

  14. معركة زاما – كيف خسر حنبعل الحرب أمام روما؟ | تحليل استراتيجي لحروب غيرت التاريخ, تم الوصول بتاريخ ‎نوفمبر 4, 2025، https://www.youtube.com/watch?v=vc8Vb4uzCPk

  15. الحرب النوميدية القرطاجية - ويكيبيديا, تم الوصول بتاريخ ‎نوفمبر 4, 2025، https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%B7%D8%A7%D8%AC%D9%8A%D8%A9

  16. وثائقي 2 | ماسينيسا الملك الأمازيغي الذي خان من أجل توحيد مملكته | الحقيقة الخفية - YouTube, تم الوصول بتاريخ ‎نوفمبر 4, 2025، https://www.youtube.com/watch?v=K740zuryvZs

  17. الحرب البونيقية الثالثة - ويكيبيديا, تم الوصول بتاريخ ‎نوفمبر 4, 2025، https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%88%D9%86%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A9

  18. ماسينيسا كان يريد أن يجعل قرطاج عاصمة لإفريقيا الموحدة لكن الرومان منعوه. - جريدة النصر, تم الوصول بتاريخ ‎نوفمبر 4, 2025، https://www.annasronline.com/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9/%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9/174-2014-09-30-13-28-56

  19. معرض حول العملة النوميدية بوهران الجزائرية-الوطن, تم الوصول بتاريخ ‎نوفمبر 4, 2025، https://alwatan.om/details/203763

  20. وثائقي 1 | ماسينيسا الملك الأمازيغي الذي حارب الجميع من أجل استرجاع الأراضي الأمازيغية | الجزء الأول - YouTube, تم الوصول بتاريخ ‎نوفمبر 4, 2025، https://www.youtube.com/watch?v=gEdKdd0BjKc

  21. ماسينيسا: الملك الأمازيغي الذي وحّد القبائل وكسر هيبة روما | السر المخفي أخيراً انكشف!, تم الوصول بتاريخ ‎نوفمبر 4, 2025، https://www.youtube.com/watch?v=0sGml0A5B98

  22. مملكة نوميديا من احلرب البونيقية الثانية اىل االحتالل الروماين - جامعة الجزائر 2, تم الوصول بتاريخ ‎نوفمبر 4, 2025، http://www.ddeposit.univ-alger2.dz:8080/xmlui/bitstream/handle/20.500.12387/1172/Cnepru%20O.%20AIT%20AMARA%20%2824.2.2019%2C%20Version%20finale%29.pdf?sequence=1&isAllowed=y

  23. لمحة عن مملكة نوميديا - Kingdom of Numidia - YouTube, تم الوصول بتاريخ ‎نوفمبر 4, 2025، https://www.youtube.com/watch?v=l2bT8Zz10Fk

إرسال تعليق

0 تعليقات